الإسقاط اليمني المتكرر للطائرات الأمريكية.. قراءة في التداعيات
يمثّل تواصل إسقاط القوات المسلحة لطائرات “MQ-9 Reaper” الأمريكية تطورًا لافتًا في مسار المواجهة اليمنية مع الولايات المتحدة ويعكس في الوقت ذاته تصاعدًا في مستوى القدرات الدفاعية اليمنية التي باتت قادرةً على إسقاط طائرات تُعتبر من أكثر الأسلحة تقدمًا وتعقيدًا في الترسانة الأمريكية.
تُعد MQ-9 Reaper من الطائرات الاستراتيجية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تنفيذ عمليات استخباراتية وهجومية دقيقة في مناطق النزاع وقد استُخدمت بكفاءة في عدد كبير من العمليات النوعية ضد أهداف تعتبر بالغة الحساسية في العراق وأفغانستان.
يمثّل الإسقاط اليمني المتواصل لهذه الطائرة داخل المجال الجوي اليمني ضربة مزدوجة إذ يُعتبر من جهةٍ ضربة قاسية لما يمكن أن نسميه “الهيبة التكنولوجية الأمريكية” ومن جهة أخرى يٌعتبر نقطة تحوّل في قواعد الاشتباك الجوي في المنطقة.
هذا التطور لا يحمل دلالة عسكرية فقط بل أبعادًا سياسية واستراتيجية بالغة الأهمية فمن الناحية التكتيكية تكشف عمليات الإسقاط المتواصلة أن القوات المسلحة باتت تمتلك وسائل دفاع جوي – محلية الصنع – قادرة على تحييد تهديدات جوية متطورة وهو ما يعيق قدرة الولايات المتحدة على تنفيذ مهامها العدوانية في الأجواء اليمنية.
ومن الناحية الاستراتيجية يٌعتبر تكرار عمليات إسقاط هذه الطائرة مؤشّراً على إرادة يمنية واضحة في تكريس معادلة ردع جديدة في مواجهة التفوق الجوي الأمريكي وفرض قواعد اشتباك مختلفة عما كان سائدًا في السنوات الماضية سيما إبان حكم النظام السابق.
ويتعدّى أثر عمليات الإسقاط اليمنية البعد العسكري إلى البعد الاقتصادي والسياسي حيث تبلغ تكلفة الطائرة الواحدة من طراز MQ-9 نحو 30 مليون دولار ما يجعل خسارتها استنزافًا حقيقيًا للميزانية الأمريكية في وقت تواجه فيه الإدارة الأمريكية تحديات داخلية متصاعدة بشأن جدوى الإنفاق العسكري في مناطق النزاع الخارجي كما تهدد الجاهزية الجوية الأمريكية في المنطقة.
في السياق الإقليمي، يٌفهم إسقاط طائرات MQ-9 في إطار الدعم العملياتي الذي تقدمه صنعاء للشعب الفلسطيني وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وعليه فإن هذه العمليات تعزز من موقع اليمن في معادلة محور المقاومة وتمنحه ثقلًا سياسيًا وأمنيًا متزايدًا على مستوى المنطقة بما في ذلك البحر الأحمر ومضيق باب المندب وهي مناطق استراتيجية بالغة الحساسية للملاحة الدولية.
في المجمل، لم يعد إسقاط طائرة MQ-9 مجرد خبر عسكري متكرر إذ تحوّل إلى مؤشر استراتيجي يُعيد رسم مشهد التوازنات في المنطقة ويضع الولايات المتحدة أمام واقع جديد “أقل ردعيةً”.