بين الاعتراف الأمريكي والإنجاز اليمني.. قراءة في إسقاط الطائرة الـ22 “mq9” منذ بدء معركة إسناد غزة
في تطور يعكس تحولاً استراتيجياً في المشهد العسكري على مستوى المنطقة، أعلنت القوات اليمنية من جديد إسقاط طائرة مسيرة أمريكية من طراز MQ-9، في حادثة تلقت مصداقية إضافية من خلال اعتراف مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لقناة “الجزيرة” بنفوق الطائرة. هذا الإنجاز العسكري ليس سوى حلقة في سلسلة متصاعدة من الإسقاطات الجوية التي باتت تشكل ظاهرة تستحق التحليل.
جاء الاعتراف الأمريكي، رغم طابعه المقتضب، ليمنح مصداقية غير مسبوقة للبيانات العسكرية اليمنية التي تعلن بشكل متكرر عن إسقاط طائرات معادية. فبحسب العميد يحيى سريع، المتحدث الرسمي للقوات المسلحة اليمنية، فإن هذه الطائرة تمثل السابعة التي تسقط خلال شهر أبريل الجاري، والثانية والعشرين منذ انطلاق عمليات إسناد غزة، في نوفمبر 2023.
تطور نوعي في القدرات الدفاعية
يكشف تتبع مسار العمليات العسكرية عن قفزة نوعية في أداء الدفاعات الجوية اليمنية، فمن مجرد اعتراض طائرات مسيرة بسيطة، إلى إسقاط طائرات استطلاع وتجسس متطورة مثل MQ-9 التي تبلغ تكلفتها عشرات الملايين من الدولارات، يظهر أن المعادلة العسكرية تشهد تحولاً جذرياً.
المثير في الأمر أن هذه الإنجازات تحققت باستخدام أسلحة محلية الصنع، كما تؤكد بيانات صنعاء الرسمية، وهو ما يطرح تساؤلات حول طبيعة هذا التطور التكنولوجي السريع، في ظل حصار مطبق وتحديات لوجستية ضخمة.
سياق إقليمي معقد
لا يمكن قراءة هذه التطورات بمعزل عن السياق الإقليمي الأوسع. فمنذ انطلاق عمليات دعم غزة، سعت القوات اليمنية إلى تحويل ساحة المواجهة مع القوات الأمريكية إلى ورقة ضغط لصالح القضية الفلسطينية. ويبدو أن استمرار العدوان على غزة يشكل دافعاً رئيسياً لهذا التصعيد العسكري المتزايد، كما أكد العميد سريع في بيانه اليوم بشأن استفادتهم من كافة التطورات في تطوير قدراتهم العسكرية على كافة المستويات والوحدات العسكرية.
تداعيات واستحقاقات
في الجانب الأمريكي، تفرض هذه التطورات استحقاقات صعبة. فخسارة طائرات قتالية وتجسس متطورة بهذا المعدل ليس مجرد خسارة مادية، بل يمثل ضربة للهيبة العسكرية الأمريكية في المنطقة. الأسئلة المطروحة الآن: هل ستغير واشنطن استراتيجيتها؟ وهل سنشهد تحولاً نحو الاعتماد على أنظمة أكثر تطوراً مثل الطائرات الشبح؟، التي ألمح رئيس “المجلس السياسي الأعلى” في صنعاء مهدي المشاط، إلى أنهم سيستطيعون التعامل معها خلال الفترات القادمة.
على الجانب اليمني، فإن هذه الإنجازات تعزز موقف صنعاء التي تعلن بشكل مستمر أنها لن توقف عملياتها إلا بموقف العدوان على غزة، وهذا التطور العسكري يؤكد القدرة اليمنية على تحويل المعادلات العسكرية رغم كل التحديات. كما أنها تثبت أن الاستثمار في تطوير القدرات الدفاعية المحلية بدأ يؤتي ثماره بشكل ملموس.
خلاصة واستشراف
تشكل حوادث إسقاط الطائرات الأمريكية علامة فارقة في الصراع الدائر، لا من حيث قيمتها العسكرية المباشرة فحسب، بل لما تمثله من تحول في موازين القوى النفسية والمعنوية. فما كان يُعتقد أنه هامش صراع تحول إلى واجهة رئيسية، وما كان يوصف بقدرات دفاعية محدودة أثبتت فاعلية غير متوقعة.
في الأفق، تبدو المواجهة مقبلة على مرحلة جديدة، حيث تزداد حدة التنافس التكنولوجي. وشيء واحد مؤكد: سماء اليمن لم تعد منطقة آمنة للطيران الأمريكي كما كانت في السابق، وهذه بحد ذاتها رسالة استراتيجية بليغة.