كشفت حادثة سقوط المقاتلة الأمريكية المتطورة من طراز “إف-18” من على متن الحاملة “يو إس إس هاري ترومان” في البحر الأحمر عن أبعاد جديدة لطبيعة المواجهة بين القوات اليمنية والقوات الأمريكية، حيث أظهرت الواقعة بشكل عملي حجم الضغوط والتحديات التي تواجهها القوات الأمريكية في مواجهة القدرات العسكرية المتنامية لليمن، والتي نجحت في فرض معادلة جديدة قلبت موازين القوى في المنطقة.
ووفقاً لمراقبين عسكريين، فإن سقوط الطائرة الأمريكية ليس مجرد حادث عابر، بل هو مؤشر على حالة الارتباك وفقدان السيطرة التي تعيشها القوات الأمريكية في إدارة معركتها ضد اليمن، خاصة في ظل استمرار الهجمات الصاروخية والمسيرة المكثفة التي تشنها القوات اليمنية، والتي أجبرت الأسطول الأمريكي على تغيير مواقعه وتكتيكاته بشكل متكرر، مما أثر على كفاءة عملياته العسكرية وزاد من احتمالات الأخطاء الفنية والاستراتيجية.
وتأتي هذه التطورات في سياق متصل بإخفاقات متتالية للحملة العسكرية الأمريكية على اليمن، التي بدأت في منتصف مارس الماضي، رغم استخدامها أسلحة متطورة وتوجيه ضربات عنيفة، إلا أنها فشلت في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، سواء في وقف عمليات اليمن العسكرية الداعمة لغزة، أو في كسر إرادته في فرض حظر الملاحة على السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية. بل على العكس، واصلت القوات اليمنية تصعيد عملياتها، مستهدفة ليس فقط السفن المرتبطة بإسرائيل، بل أيضاً توسيع نطاق عملياتها ليشمل مواقع في عمق الأراضي المحتلة.
ويشير تحليل الوضع العسكري إلى أن القوات الأمريكية تواجه لأول مرة منذ عقود خصماً يمتلك إرادة قتالية عالية وقدرات غير تقليدية، تمكنه من تحويل التفوق التقني الأمريكي إلى عبء استراتيجي. فحاملة الطائرات الأمريكية، التي تعد رمزاً للقوة العسكرية العالمية، أصبحت في موقف دفاعي، مضطرة إلى إعادة حساب مواقعها باستمرار خوفاً من الهجمات الصاروخية، التي قد تتسبب ليس فقط في إلحاق أضرار بالطائرات الموجودة على متنها، بل أيضاً في تعطيل مدرج الإقلاع والهبوط، مما قد يشل قدراتها بالكامل ويجبرها على الانسحاب.
من جهة أخرى، يرى محللون أن قرار صنعاء بدخول المعركة إلى جانب الشعب الفلسطيني، رغم التحديات والعقوبات، قد أعطى اليمن زخماً معنوياً واستراتيجياً، حيث بات يفرض أجندته على القوات الأمريكية، ويجبرها على التحرك في إطار ردود أفعال، بدلاً من المبادرة والسيطرة على مجريات الأحداث.
وهذا ما يفسر تصاعد الحديث في الأوساط العسكرية الأمريكية عن “مأزق استراتيجي” في البحر الأحمر، حيث لم تعد الترسانة العسكرية التقليدية قادرة على كسر إرادة خصم يتبنى حرب استنزاف طويلة الأمد.
ختاماً، تؤكد حادثة سقوط الطائرة الأمريكية أن المعركة في البحر الأحمر تدخل مرحلة جديدة، لم تعد فيها القوة العسكرية التقليدية كافية لتحقيق النصر، بل أصبحت الإرادة السياسية والعسكرية، والقدرة على التحمل، عوامل حاسمة في تحديد ميزان القوى.
وفي الوقت الذي تترنح فيه الاستراتيجية الأمريكية بين الخيارات المحدودة، يبدو أن اليمن، رغم كل التحديات، يكتب فصلاً جديداً في تاريخ المواجهات العسكرية، حيث تثبت التجربة أن التفوق التكنولوجي لا يكفي لتحقيق النصر عندما تواجهه إرادة شعبية صلبة وتخطيط عسكري ذكي.